دراسة بحثية بجامعة دمشق تشير إلى أن استعادة المواقع الصناعية المهجورة يؤمن العديد من الفوائد البيئية والاجتماعية والاقتصادية

تلقى المشكلات البيئية اهتماماً كبيراً في دول العالم، وبلغت ذروتها في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث استنفدت بعض المصادر الطبيعية ولوثت الوسط المحيط بها، وأفسدت قدرة الأنظمة البيئية على التجديد التلقائي وأخلت بتوازنها، وتوقفت العديد من المنشآت الصناعية، لتشكل آفة حضرية ضمن النسيج الحضري المحيط ما يجعلها تعاني من التدهور البيئي وتدمير الأنظمة الإيكولوجية للموقع، لذا لابد من تطبيق مبادئ الفكر الإيكولوجي لاستعادة المناظر الطبيعية في مثل هذه المواقع الصناعية المهجورة.

 

المعهد العالي للتخطيط الإقليمي بجامعة دمشق أجرى دراسة بحثية عن معمل الإسمنت الواقع في منطقة دمر بمدينة دمشق، الذي يتألف من 710 عقار، موزعة على منطقتي دمر والهامة العقاريتين، يشكل نواتها معملي الإسمنت والأترنيت المتوقفين عن العمل، بمساحة إجمالية حوالي 977,312 دونم، ويرتبط موقع المعمل مع ساحة الأمويين بطريق دمشق ـ بيروت القديم، بالإضافة إلى السكة الحديدية التي تصل إلى محطة جديدة الشيباني.

 

وأشارت الباحثة هبة يوسف في دراستها أن منطقة دمر تعتبر جزء هام من الغوطة الغربية وإن إقامة معمل الإسمنت في هذا الموقع الاستراتيجي والحساس إيكولوجياً كان خطأً تخطيطياً فادحاً، أدى إلى تلوث هائل وتدهور بيئي كبير في الموقع والمناطق المحيطة به.

 

وبينت المهندسة يوسف أن الدراسة قامت بتحويل موقع معمل الإسمنت ومقالعه إلى فراغ للتراث الصناعي والطبيعي مع المحافظة على المنشآت الصناعية الموجودة فيه، وعملت على استعادة التنوع الحيوي والمناظر الطبيعية في الموقع، والربط مع الشبكة الخضراء في دمشق والشريط الإيكولوجي فيها، وكذلك تحقيق مستوى آمن من معالجة التلوث وتعزيز التنوع الحيوي وبخاصة الأنواع المحلية الأصلية من نباتات وحيوانات، تكامل الموئل الطبيعية فيما بينها ومع محيطها.

 

وعن خطة البحث للاستعادة الإيكولوجية ومعالجة التلوث في الموقع، بينت الباحثة يوسف أنها خطوة أولى لتحقيق السلامة الإيكولوجية، من خلال استخدام طريقة المعالجة النباتية، حفر واستخراج الأسبستوس ودفنها في مطمر خاص، وتحويل الحفرة إلى بركة مائية مع المعالجة النباتية، مع حفر واستخراج التربة الملوثة بالمواد النفطية، ووضعها في أحواض المعالجة النباتية، وكذلك ترحيل المخلفات من أنابيب الأترنيت ولمعالجة التلوث في الموقع، تشكيل بيئة آمنة ونظيفة وخالية من التلوث كخطوة أولى لتحقيق السلامة الإيكولوجية.دراسة بحثية بجامعة دمشق تشير إلى أن استعادة المواقع الصناعية المهجورة يؤمن العديد من الفوائد البيئية والاجتماعية والاقتصادية

 

 كما تم اقتراح استخدام طريقة المعالجة النباتية، حفر واستخراج الأسبستوس ودفنها في مطمر خاص، تحويل الحفرة إلى بركة مائية مع المعالجة النباتية، حفر واستخراج التربة الملوثة بالمواد النفطية، وضعها في أحواض المعالجة النباتية، ترحيل المخلفات من أنابيب الأترنيت..

وبينت الباحثة بأن العمليات على مكونات النظام الإيكولوجي، لتحقيق الوظائف الإيكولوجية تمت من خلال تحسين إدارة مياه نهر بردى وتنظيف مياهه من التلوث وحمايته من التدهور ومراعاة مبادئ المرونة البيئية وقدرة المسطحات المائية والغطاء النباتي في تعديل نوعية الهواء ودرجة الحرارة، وتغيير الخواص الفيزيائية والكيميائية للتربة السطحية لنمو الغطاء النباتي ،وكذلك تحسين الموائل الحالية وحمايتها في منطقة الغيضة بجوار بردى وربطها مع الموائل الجديدة المقترحة في الموقع مبينة بأن العمليات مكونات النظام الإيكولوجي تساهم باستعادة وظائفها وتمتعها بالمرونة البيئية.

 

كما قدمت الباحثة وسائل مساعدة على تحقيق الوظائف الإيكولوجية والمناظر الطبيعية، منها استخدام المسطحات التكيفية، والترشيح البيولوجي والأنظمة الصحية للأشجار من خلال استخدام عناصر هيكلية تسمح بنمو صحي للجذور في منطقة المقالع حيث التربة المتراصة، وتشكيل مجموعة من الموائل ضمن المناطق الخضراء والمسطحات المائية وحماية الحياة البرية.

 

 ومن هذه الوسائل أيضاً الشبكات الخضراء لربط محمية الطيور مع محمية قاسيون وربط الموائل الرطبة المقترحة مع نهر بردى وفرعه يزيد، وتسوية الأرض الطبيعية عبر تشكيل بعض المنخفضات بالقرب من المقالع لتجميع مياه الأمطار وتشكيل موائل طبيعية، وكذلك معالجة التربة والمياه الملوثين باستخدام نباتات المعالجة النباتية، ورصف أرضية ساحة معمل الأترنيت بغطاء أرضي مسامي بدل البلاطات البيتونية الضخمة، وكذلك الشوارع الضيقة لتقليل مساحة الزفت لتأمين مساحات خضراء أكبر.

 

ولربط الفراغات التفاعلية المقترحة مع بعضها، تم دمج الموقع مع المحيط الاجتماعي والمحيط الحضري من خلال مجموعة من النشاطات والفراغات التفاعلية التي تؤمن التسلية والترفيه للسكان المحليين.

 

وأكدت الباحثة هبة يوسف على أهمية حماية التراث الصناعي وإعادة استخدامه بوظائف أخرى حيث تشكل كتلة معمل الإسمنت تحفة صناعية قائمة، ويمكن استخدام الصالة المكشوفة منه كسوق شعبي، كما يمكن استخدام صالة معمل الأترنيت كمتحف صناعي أو صالة مناسبات أو سينما، كما يمكن استخدام ساحة الأترنيت الواسعة كفراغ تفاعلي اجتماعي لاستضافة النشاطات الفنية والمسرحية، وتحويل الموقع الصناعي المهجور لعقود والمتدهور بيئياً والمنبوذ اجتماعياً إلى فراغ طبيعي اجتماعي ينبض بالحياة مع احتفاظه بالذاكرة التاريخية للموقع.

 

وخلص البحث إلى وجود إهمال في المواقع الصناعية المهجورة بسبب ما تتركه وراءها من مخلفات صناعية وانتشار للملوثات وفقدان اتصالها مع المدينة، حيث تهدف عملية الاستعادة في المواقع الصناعية المهجورة إلى استعادة مناظرها الطبيعية ومكوناتها الحيوية وجعلها تنبض بالحياة من جديد، كما تعد المواقع الصناعية المهجورة فرص وإمكانات هامة ضمن المناطق الحضرية.

 

ويؤكد البحث في نتائجه على أن استعادة المواقع الصناعية المهجورة وتطويرها وإعادة استخدامها يؤمن العديد من الفوائد البيئية والاجتماعية والاقتصادية، تحافظ على المناطق الخضراء، وتحسين جودة الهواء، والحد من تدمير الموائل الطبيعية كما تعتمد عملية الاستعادة الإيكولوجية على تحديد خصائص النظام الإيكولوجي المرجعي الذي يعتبر الهدف الرئيسي لعملية الاستعادة، وتحديد المستوى المتوقع والمطلوب من هذه العملية أي الأهداف الأساسية والفرعية على المدى القريب والبعيد.

وتشدد الدراسة على ضرورة مساعدة النظام الإيكولوجي على استعادة وظائفه وتكامله مع الإمكانات الطبيعية المحيطة في حالة التدهور الشديد الذي يمنع عملية الاستعادة التلقائية، وكذلك التعاون مع السكان المحليين وأصحاب المصلحة المتأثرين بعملية الاستعادة لتحقيق الانتعاش الكامل للنظام الإيكولوجي الطبيعي.

 

وتوصي الدراسة برصد الوضع الراهن للوقع المراد استعادة نظامه الإيكولوجي لمعرفة الإمكانات المتاحة والمساعدة في عملية الاستعادة والعقبات التي تحول دون تحقيق أهداف الاستعادة وضرورة رصد مواقع التلوث وأنواعه وكمياته حتى يتم اقتراح الطريقة الأفضل لمعالجته وخلق بيئة آمنة ضمن الموقع، كما تعد عملية المعالجة النباتية من أفضل طرق معالجة التلوث في مثل هذه المواقع، من الضروري مراقبة عمليات الاستعادة الإيكولوجية بعد بدء تطبيقها لمعرفة مدى التعافي والانتعاش الحاصل ومدى ضرورة اتخاذ إجراءات إضافية.



عداد الزوار / 775882427 /