مهام الدراسات المستقبلية تحقق الدراسات المستقبلية عدد من المهام المحددة، وقد لخص "ويندل بيل" هذه المهام للدراسات المستقبلية بالآتي: 1- إعمال الفكر والخيال في مستقبلات ممكنة. 2- دراسة مستقبلات محتملة، أي التركيز على فحص وتقييم المستقبلات الأكثر احتمالاً للحدوث خلال أفق زمني معلوم، وفق شروط محددة. 3- دراسة صور المستقبل، أي البحث في طبيعة الأوضاع المستقبلية المتخيلة وتحليل محتواها، ودراسة أسبابها وتقييم نتائجها. 4- دراسة الأسس المعرفية للدراسات المستقبلية، أي تقديم أساس فلسفي للمعرفة التي تنتجها الدراسات المستقبلية، والاجتهاد في تطوير مناهج وأدوات البحث في المستقبل. 5- دراسة الأسس الأخلاقية للدراسات المستقبلية، وهذا الأمر متصل بالجانب الاستهدافي للدراسات المستقبلية، ألا وهو استطلاع المستقبل أو المستقبلات المرغوب بها. 6- تفسير الماضي وتوجيه الحاضر، فالماضي له تأثيره على الحاضر وعلى المستقبل، والكثير من الأمور تتوقف على كيفية قراءة وإعادة قراءة الماضي ودراسة معطيات الحاضر. 7- إحداث التكامل بين المعارف المتنوعة والقيم المختلفة من أجل حسن تصميم الفعل الاجتماعي، ذلك أن معظم المعارف التي يستخدمها دارسو المستقبل من أجل التوصية بقرار أو تصرف، ما هي إلا معارف تنتمي إلى علوم ومجالات بحث متعددة لها خبراؤها والمتخصصون فيها، ولذلك يطلق على الدراسات المستقبلية وصف "الدراسات التكاملية" أو "الدراسات العابرة للتخصصات". ولما كانت التوصية بفعل اجتماعي ما لا تقوم على المعارف العلمية وحدها، برغم أهميتها، بل يلزم أن تستدعي قيماً أو معايير أخلاقية معينة، فإن على الدراسة المستقبلية أن تزاوج بين المعرفة العلمية والقيم. 8- زيادة المشاركة الديمقراطية في تصور وتصميم المستقبل، وإفساح المجال لعموم الناس للاشتراك في اقتراح وتقييم الصور البديلة للمستقبل، الذي سيؤثر في حياتهم وحياة خلفهم، ولعل اليابان هي من الدول التي تعمل في هذا المجال، حيث يوجد بنك للمعلومات، يذهب إليه شخص لديه فكرة معينة حول موضوع معين، ويضع هذه الفكرة في هذا البنك، ويتم تصنيف هذه الفكرة سواءً كانت تقنية أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية .. الخ، ثم يقوم مجموعة من الخبراء بدراسة هذه الفكرة ومعرفة مدى إمكانية تطبيق هذه الفكرة، ومجال استخداماتها في الحياة. 9- تبني صورة مستقبلية مفضلة والترويج لها، وذلك باعتبار ذلك خطوة ضرورية نحو تحويل هذه الصورة المستقبلية إلى واقع. ويتصل بذلك تبني أفعال اجتماعية معينة من أجل قطع الطريق على الصور المستقبلية غير المرغوب فيها والحيلولة دون وقوعها. خصائص الدراسات المستقبلية: ثمة مجموعة من الخصائص المرغوب توافرها في الدراسات الاستشرافية الجيدة، ومن أبرز هذه الخصائص: 1- الشمول والنظرة الكلية للأمور: فمن المهم أن تدرس العوامل المختلفة للظاهرة في تشابكها وتفاعلها مع بعضها البعض، حتى تتوافر رؤية شاملة ومتكاملة لمستقبل الظاهرة. 2- مراعاة التعقيد: أي تفادي الإفراط في التبسيط والتجريد للظواهر المدروسة، لأن الدراسات الاستشرافية تتطلب التعمق في فهم ما يزخر به الواقع من علاقات وتشابكات، وهو ما يتطلب النظر إلى الظاهرة المركبة في مجملها من خلال منهج عابر للتخصصات. 3- القراءة الجيدة للحاضر باتجاهاته العامة السائدة، وكذلك التعرف إلى الاتجاهات الأخرى الراهنة: وتتطلب هذه القراءة دراسة معمقة للماضي، وذلك لفهم آليات التطور وتتابع المراحل. 4- المزج بين الأساليب الكيفية والأساليب الكمية: في العمل المستقبلي المطلوب في الدراسة، هو التعمق بدراستها وبدراسة تشابك العلاقات داخلها، وهذا يستدعي استخدام كلا الأسلوبين. 5- الحيادية والعلمية: وهذا مطلوب في أي تخصص علمي، وخاصة في الدراسات المستقبلية، لأن الباحث في المستقبلات البديلة بحاجة لذلك من أجل التعرف إلى البدائل، وعدم استبعاد بدائل معينة لمجرد رفض الدارس لمنطلقاتها وادعاءاتها. ومن أجل رسم صورة المستقبل عليه أن يبتعد قدر الإمكان عن الأفكار المسبقة، والأيديولوجيا التي تحكم هذا المجتمع، لكي يستطيع أن يخرج برؤية كاملة إلى حدّ ما. 6- عمل الفريق والإبداع الجماعي: وهو ما يعني انجاز الدراسة المستقبلية عن طريق فريق عمل متفاهم ومتعاون ومتكامل، فذلك أمر تفرضه طبيعة الدراسات المستقبلية، التي تعتمد على معارف مستمدة من علوم متعددة، والتي تستوجب دمج هذه المعارف وفق منظور أو إطار عابر للتخصصات، كما أن الجماعة مفيدة للوصول إلى تصورات وتنظيرات وحلول جديدة للمشكلات. 7- التعلم الذاتي والتصحيح المتتابع للتحليلات والنتائج: فالدراسات المستقبلية لا تنجز دفعة واحدة، بل إنها عملية متعددة المراحل، ويتم فيها إنضاج التحليلات، وتعميق الفهم، وتدقيق النتائج من خلال دورات متتابعة والنقد الذاتي، وتلقي تصورات أطراف وقوى مختلفة وانتقاداتهم واقتراحاتهم والتفاعل معها من خلال اللقاءات المباشرة والأدوات غير المباشرة. الدراسات الاستشرافية في الوطن العربي: إن عملية استشراف المستقبل ليست بالأمر السهل، وإنما تتطلب معرفة علمية وطريقة بحثية تساعد على إيجاد بدائل في عصر المعلومات والتطور التكنولوجي السريع، وتعد علوم المستقبل، بما فيها من الدراسات الاستشرافية من العلوم التي استوردها الفكر العربي، لذلك نشأ في الفكر العربي تياران: الأول: حاول أخذ هذه العلوم عن الغرب، محاولاً إسقاطها على الفكر العربي، وتطويرها والأخذ منها. الثاني: حاول نقل هذه العلوم، ومن ثم حاول إيجاد بنية فكرية استشرافية خاصة بالمجتمع العربي، ولا سيما حينما يتعلق بالتفكير الإسلامي. وكلا الاتجاهين أكد على ضرورة هذه الدراسات، لأن المجتمع العربي بحاجة ملحة لأن يصنع مستقبله هو، بدلاً من أن يصنع هذا المستقبل الدول الأخرى. ومن أهم الدراسات العربية التي تناولت مستقبل الوطن العربي هي: 1- دراسة د. أنطون زحلان عن العالم العربي 2000، وهذا الكتاب رؤية استشرافية للمستقبل العربي عام 2000، وقد نشرت الدراسة عام 1975. 2- دراسة المستقبليات البديلة، وقد أجريت هذه الدراسة بالتعاون مع الأمم المتحدة عام 1985. 3- دراسة لاستشراف مستقبل الوطن العربي، التي أجراها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، عام 1988. بعد هذه الفترة، كانت الدراسات الاستشرافية عبارة عن جهود فردية، وكان هناك أيضاً دراسة تخصصية في مجالات معينة، كالمجال التربوي، والتقني، والتكنولوجي. لذا فإن الجهود العربية معظمها تقتصر على الترجمة ومحاولة تطبيق المنهج الغربي على الواقع العربي، وهذه الجهود ما زالت مبعثرة، وتختلف من مكان لآخر، حيث أن الدراسات الاستشرافية تتطلب إعداد الباحث أكاديمياً، وتمكينه من أدوات وطرق الاستشراف، كما تتطلب أيضاً أن يتمتع الباحث بالموضوعية لكن في الوقت ذاته لا يتخلى عن الذاتية بالمطلق، لأن الاستشراف يحتاج إلى خيال الباحث. كما تتطلب هذه الدراسات قاعدة من المعلومات، التي تساعد الباحث على استشراف المستقبل بشكل جيد، وأن تكون هذه الملومات معمقة بقدر كبير من المصداقية، وأن يكون هناك جهة منفذة للبحث، وهذه الخطوة تعتبر معضلة في العالم العربي، لأن جميع المشاريع المنفذة في الوطن العربي كانت تعتمد على جهات أجنبية، وهذا له تأثير كبير خاصة فيما يتعلق برسم هذا المستقبل، فبدلاً من أن يخدم المصالح العربية فإنه سوف يخدم المصالح الأجنبية في المنطقة. تحديات الدراسات المستقبلية: تواجه الدراسات المستقبلية صعوبات جمة كثيراً ما تحول دون اكتمالها، أو تحول دون خروجها بمستوى جيد في حال اكتمالها، والتي لا بد من العمل على معالجتها، حتى تكثر هذه الدراسات ويرتفع مستواها، وحتى تتحول من أعمال طارئة إلى نشاط مستمر، وحتى يتحقق بالتالي ما يرتجى من ورائها من منافع في مجال البحث العلمي والفعل الاجتماعي على السواء، ومن أهم هذه المصاعب التي تواجه الدراسات المستقبلية، لا سيما في الدول النامية يمكن أن نذكر الآتي: 1- الصعوبات المنهجية: فالسمات المرغوب توافرها في منهجية البحث المستقبلي ليس من اليسير تحقيقها، خاصة في ظل الأوضاع غير المواتية للبحث العلمي في الدول النامية، وما تؤدي إليه من تشتيت للطاقات، وبعثرة للجهود فيما لا طائل وراءه، والنهوض بالدراسات المستقبلية على نحو جاد في مثل هذه الظروف يتطلب الكثير من الوقت، والكثير من المال، والكثير من العناصر البشرية ذات التأهيل العلمي المرتفع. 2- الصعوبات المعلوماتية: فقواعد المعلومات هشة للغاية، وتعاني الكثير من الفجوات والتناقضات في معظم الأحيان. 3- الصعوبات الثقافية: ويقصد بها غياب الثقافة المستقبلية في المجتمع، وغياب عادة التفكير المستقبلي لدى الكثيرين، وتجذر الفكر الماضوي. 4- صعوبات المناخ العام: ويقصد بهذا النوع من الصعوبات، شيوع مناخ فكري عام مناوئ للتخطيط والتفكير المستقبلي بعيد المدى، فالمناخ السائد يشجع على السلبية والاستسلام للعولمة وتكريس التبعية الثقافية، ولا يوجد إلا القلة القليلة، التي اعتادت الإبحار والتصدي للتبعية الثقافية. 5- الصعوبات الإجرائية: وتضم ثلاث صعوبات مهمة تؤدي إلى خفض مستوى الأداء وإطالة فترة التخطيط وهي: أ‌- طول فترة البحث عن مشرفين للدراسات، ثم طول فترة إعدادهم لخطط إجرائية للدراسات. ب‌- عدم التزام معظم المتعاقدين بالجداول الزمنية لتنفيذ الدراسات المتفق عليها في التعاقدات. ت‌- عدم التزام كثير من المتعاقدين بخطط البحث المتفق عليها معهم. الأمر الذي يؤدي إلى تكرر دورات مراجعة هذه الدراسات من جانب الفريق المركزي، كما يؤدي إلى إطالة فترة تنفيذ الدراسة. ث‌- غياب العمل بروح الفريق، حيث نادراً ما تجري مناقشة جماعية لما أُنجز من مهام، وسيطرة العمل الفردي. 6- صعوبات مالية: تتطلب الدراسات المستقبلية ميزانية ضخمة لأنها تحتاج إلى: - تعقد منهجية البحث في المستقبل، مما يستلزم توافر خبرات بشرية على مستوى عال، وهذه نادرة، وكثيراً ما يتطلب اجتذابها توفير حوافز مالية مرتفعة. - اتساع نطاق البحث، وتعدد التخصصات فيه، وهو ما يؤدي إلى حجم كبير يتطلب إنجازه قوة عمل كثيرة العدد. - خدمات وتسهيلات علمية كثيرة مثل: المعلومات، والحاسبات، والبرمجيات-والندوات، وورش العمل، والمقابلات-والطباعة-والمراسلات، وغيرها). ولأن الدراسات المستقبلية ليست أولوية في بلداننا، يؤدي ذلك إلى صعوبة إقناع جهات التمويل المحلية بتأمين المساهمات المالية. تقنيات الدراسات المستقبلية يستعين المستقبليون في أبحاثهم ودراساتهم بالعديد من التقنيات المستقبلية بدءاً من تحديد المشكلة وصولاً إلى مرحلة التنفيذ والتقييم مثل: تقنية السيناريوهات، تقنية دلفي، تقنية التنبؤ، وغيرهم، إلا أننا سنقتصر على تقنية السيناريوهات وتقنية دلفي. السيناريوهات: يعد السيناريو أحد أهم الأساليب المستخدمة في الدراسات المستقبلية شعبية، وتأتي كلمة سيناريو من الفنون الدرامية، لا سيما المسرح والسينما، حيث تنظيم التسلسل في الحدث، ووصف الشخصيات والمشاهد، وبعض التفاصيل الأخرى. ويعد هيرمان كان أول من أشار إلى استخدام السيناريو في التخطيط عندما كان في مؤسسة راند RANDخلال عقد الخمسينيات. كما استخدم السيناريو كمصطلح للربط بين الشؤون العسكرية والدراسات الاستراتيجية. ومع نهاية السبعينيات تزايدت أهمية السيناريوهات، ولا سيما مع انتشار الصناعات النفطية، والاتفاقيات الخاصة بالمعاملات البترولية، وأيضاً تم استخدامه في تقارير عالمية بالغة الأهمية، وفي مقدمتها تقرير "حدود النمو" لنادي روما. ثم ظهر تطور هام على شكل السيناريو ليتعامل مع العديد من الوقائع والاتجاهات، وليس فقط مع تسلسلات معينة، هذه الوقائع يمكن أن تتضمن: تحولات ديمغرافية مثلاً، أو تطورات تكنولوجية أو أحداث سياسية، أو اتجاهات اجتماعية، ومتغيرات اقتصادية، أو كلها معاً. فقد أصبح السيناريو وصف لعواقب الأحداث، لإظهار إمكانية التحرك خطوة خطوة، عند البدء في مقدمة أو حدث معين، نحو المواقف أو المسار المستقبلي، وذلك خلال إطار زمني محدد. خصائص السيناريوهات: - والسيناريوهات هي أساليب نظمية لأنها تعتمد على المتغيرات المترابطة فيما بينها. - كتابتها تتطلب إبداع وخيال فكري عميق. - والسيناريوهات يمكن أن تكون استقرائية أو معيارية، مثل الأساليب الموضوعية الأخرى حسب نقطة البداية. - والسيناريوهات دائماً تكون بديلة، حيث يتم بناء أكثر من سيناريو، فعند تضمين الدراسة المستقبلية لأكثر من أربعة سيناريوهات، قد يؤدي إلى قدر من الإرباك والالتباس في عملية التحليل وعرض النتائج، كما أن تضمين الدراسة المستقبلية لسيناريو واحد يتضمن نفس فكرة المستقبلات البديلة، التي مثلت أسس الدراسات المستقبلية. ونقطة البداية، كما أوضحنا، - هي وصف الموقف الحالي بناءً على البيانات الكمية والكيفية، ومن ثم على التضمين الممكن لبناء السيناريو بين الأساليب الموضوعية. - على أن هذا لا يعني أن السيناريوهات مجرد أوصاف للمواقف المستقبلية بدءاً من موقف حالي معين، ولكن أيضاً لما قد يحدث في المستقبل في حالة ما إذا تم اتخاذ قرارات معينة أو حدثت أحداث معينة. وبالتالي فالسيناريوهات مفيدة للغاية في صناعة القرار، من حيث توضيح أو تقليل مستوى عدم اليقين. - تعتمد على حشد من العلماء والخبراء في المجالات المختلفة المتعلقة بالموضوع. تعريف السيناريوهات: وعلى الرغم مما ذُكر نجد تبايناً واضحاً لدى المستقبليين بشأن ماهي السيناريوهات بالضبط: - فنرى مثلاً "إريك جانتش" يراها مجرد محاولات لتنظيم النتيجة المنطقية للأحداث، من أجل إظهار كيف يمكن للأحداث أن تتطور خطوة خطوة ابتداء من الحاضر. - أما "هيرمان كان" فيراها، إجابة على سؤالين أساسيين: كيف يتطور موقف فرضي في المستقبل خطوة خطوة؟، وما هي البدائل في كل لحظة للقرارات؟، وتلك البدائل التي تنحرف أو تسهل أو توقف العملية. - أما "مايكل جودت" فقد عرّف السيناريو بأنه وصف لموقف أو حدث مستقبلي مع اطراد الأحداث التي تستمر من الوقف الأساسي وصولاً للموقف المستقبلي، على أن تتسم هذه المواقف والأحداث باتساق معين. - وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف السيناريو بأنه طريقة تحليلية احتمالية تمكن من تتبع المسار العام لتطور الأحداث والظواهر، انطلاقاً من وضعها وحالتها الحالية، وصولاً إلى رصد سلسلة من التوقعات المستقبلية لهذه الأحداث والظواهر. ومن الجدير بالذكر أن السيناريو ليس مهتماً فقط بالوقائع أو الاتجاهات المحتملة، بل يمتد ليضم تطورات غير محتملة جداً، ولكنها في الوقت نفسه بالغة الأهمية. أهمية السيناريوهات: وتبرز أهمية السيناريوهات فيما يأتي: 1- دراسة المستقبل من خلال السيناريوهات تكشف لنا الاحتمالات والإمكانيات والخيارات البديلة، التي تنطوي عليها التطورات المستقبلية. 2- دراسة المستقبل من خلال وضع السيناريوهات، هو عمل توجيهي أو إرشادي، فهي ترشد المسؤولين عن اتخاذ القرار إلى ما هو ممكن، وما هو محتمل، كما ترشدهم إلى نوع التغير الذي يمكن إحداثه، وهل هو تغير جذري أو تطويري. 3- دراسة المستقبل من خلال السيناريوهات تكشف لنا واقع هذا المجتمع، والتنبؤات المتوقعة له. تصنيفات السيناريوهات: أما من حيث أنواع وأصناف السيناريوهات، فتجمع أبرز مدارس الدراسات المستقبلية على تقسيمها إلى ثلاثة أنواع: 1- السيناريو الاتجاهي أو الخطي: وهو السناريو الذي يفترض استمرار سيطرة الوضع الحالي على تطور الظاهرة، وهنا يتعلق الأمر بعملية إسقاط خطي لاتجاه وصورة الظاهرة في الحاضر على المستقبل. 2- السيناريو الإصلاحي (التفاؤلي): على خلاف السيناريو الأول، الذي ينطلق من فرضية بقاء الأوضاع على حالها، فإن هذا السيناريو يركز على حدوث تغيرات وإصلاحات على الوضعية الحالية للظاهرة موضوع الدراسة، وهذه الإصلاحات الكمية والنوعية، قد تحدث كذلك ترتيباً جديداً في أهمية ونوعية المتغيرات المتحكمة في تطور الظاهرة. وكل ذلك يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق تحسن في اتجاه الظاهرة، مما يسمح من بلوغ أهداف، لا يمكن تحقيقها في الوضع الحالي للظاهرة. 3- السيناريو التحولي أو الراديكالي (التشاؤمي): يتم الاعتماد في إطار هذا السيناريو على حدوث تحولات راديكالية عميقة في المحيط الداخلي والخارجي للظاهرة، وهي المتغيرات التي تحدث تمزقاً أو قطعية مع المسارات والاتجاهات السابقة للظاهرة، ويقوم هذا السيناريو على التطورات والقفزات الفجائية، التي قد تطرأ على بيئة الظاهرة، وفي هذه الحالة تؤخذ بعين الاعتبار المتغيرات قليلة الاحتمال، لكنها عندما تحدث فإنها تغير المسار العام للظاهرة تغيراً جذرياً. أشكال السيناريوهات: والسيناريوهات يمكن أن تأخذ العديد من الأشكال، فالسيناريو يمكن أن يكون عبارة عن: رؤوس أقلام تحمل عدد من الفرضيات لكل عامل مهم في التخطيط، أو هذه العوامل ممكن أن تكون مشروحة في مقال طوله ثلاثين صفحة، أو قصة قصيرة، وهو أيضاً يمكن أن يكون عبارة عن جداول أو مقالات مشروح ضمنها العوامل المشار إليها. طرق تكوين السيناريو: هناك طريقتان لتكوين السيناريو، صلبة (أو قوية)، وناعمة (أو خفيفة). أما الطرق الصلبة، فتشمل على الرياضيات والنماذج والكمبيوتر، وهي طرق تركز على العوامل التي يسهل تكميمها، كمعدلات النمو الديمغرافي والاقتصادي، وكذا الميزانيات، وأعداد السكان وتطورهم، والإنتاجية، والبحوث ..الخ، ولا تتضمن هذه السيناريوهات المتغيرات الكيفية مثل تغيرات القيم مثلاً. أما الطرق الناعمة: فهي تعتمد على الحدس، وتسمح بتدخلات الاختيارات الشخصية، كما تميل إلى الكيفية (الوصفية) بدلاً من الكمية، وتعتمد هذه الطرق على الحكم وإعمال العقل البشري لإيجاد التكامل بين العديد من العناصر لعمل السيناريو. وتكون عادة عن طريق علوم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، وغيرها. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أيهما أفضل: الطرق الصلبة أم الناعمة؟ والجدول الآتي يوضح أهم مميزات كل طريقة. مقارنة بين مميزات الطرق الصلبة والناعمة في تكوين وتطوير السيناريوهات صلبة ناعمة قابلة لإعادة إنتاجها مرة أخرى غير قابلة لإعادة إنتاجها منطقية للغاية حسية (بديهية) متسلسلة غير مستمرة كمية كيفية معتمدة علة البيانات ليست بالضرورة رقمية يمكن تمثيلها بنموذج لا يمكن تحديدها بقيود أو تجسيدها وتصويرها وتدلنا قراءة الجدول السابق أن الطريقتين معتمدتين على بعضهما البعض، لذا فإنه من الواجب استعمال كلتاهما متى كان ذلك متاحاً في تطوير وبناء السيناريو. كتابة السيناريو: تقوم الفكرة المركزية للسيناريو على سلسلة من الفرضيات الاحتمالية القائمة على الفكرة التالية: (إذا –فإن)، بمعنى إذا حدث (س) فإن النتيجة ستكون (ص)، أما إذا حدث (أ) فإن النتيجة ستكون(ب). وبالتالي فالسيناريو يسعى إلى استعراض كل الاحتمالات والتنبؤ بما سيترتب على كل احتمال، وتتم عملية بناء السيناريو وفق الخطوات الآتية: 1- تحديد الظاهرة موضوع الدراسة، وجمع المعلومات والحقائق والبيانات المرتبطة بها. 2- تحديد مختلف مسارات تطور الظاهرة، وذلك بناء على المعطيات والحقائق التي تم رصدها في المرحلة الأولى، وفي هذه المرحلة تحدد المتغيرات المختلفة المؤثرة في تطور الظاهرة، وترتب وفقاً لأهميتها إلى متغيرات رئيسية، ومتغيرات ثانوية، هنا يجب الأخذ بعين الاعتبار احتمال ظهور متغيرات استثنائية أو فجائية، والتي قد يتوقف عليها مسار تطور الظاهرة في المستقبل (اتجاه خطي، اتجاه إصلاحي اتجاه تحولي أو راديكالي). 3- التداعيات: وتعني النتائج التفصيلية المفترض أنها ستترتب على كل خطوة، استناداً إلى قاعدة (إذا-فإن). كذلك ربط التداعيات المختلفة ببعضها البعض، حيث أن كل تداع سيترك تأثيراته على غيره، ومن هنا لا بد من إدراك تأثير التداعيات على بعضها في القطاعات المختلفة في المستقبل. ولتوضيح ذلك نقدم المثال التالي حول معدلات البطالة كموضوع الدراسة، ونربطه بالمتغيرات أو المؤشرات الآتية: أسعار البترول، النمو السكاني، مدخلات سوق العمل، الاستقرار السياسي الداخلي، الاستقرار في العلاقات الدولية. نضع سنة 2012 كسنة الأساس، وسنة 2030 كسنة الاستشراف. وبالتالي نتنبأ حول الزيادة السكانية، وأسعار المحروقات، ومعدل استقرار النظام السياسي، والنمو الاقتصادي. ومن ثم نضع السناريو على أساس الاتجاهات المستقبلية الآتية: - السيناريو الاتجاهي أو الخطي (بقاء نسبة البطالة ثابتة): وهو السيناريو الذي يفترض استمرار بقاء الوضع الحالي على تطور ظاهرة البطالة في المستقبل، وهذا يستلزم بقاء أسعار النفط ثابتة، والتحكم في نسبة النمو السكاني، واستقرار داخلي، واستقرار في العلاقات الدولية، ونسبة النمو الاقتصادي تبقى متناسبة، حيث نلاحظ هناك علاقة وتداعيات كل متغير على الآخر ، فمتغير الاستقرار الدولي يؤثر على أسعار النفط، التي بدورها تؤثر على الاستثمار الداخلي للدولة، خاصة الدول الريعية (حالة الدول العربية)، فصانع القرار عليه مراعاة جميع الظروف وتداعيات المتغيرات. - السيناريو الإصلاحي (انخفاض نسبة البطالة): هذا السيناريو يركز على حدوث تغيرات وإصلاحات على الوضعية الحالية للظاهرة موضوع الدراسة، فإذا ارتفعت أسعار المحروقات في السوق العالمية، فإن ذلك يوفر موارد مالية كافية من أجل إطلاق مشاريع تنموية، مما يسمح بتوفير فرص عمل، والحد أو القضاء على البطالة، ويحافظ على الاستقرار السياسي الداخلي. - السيناريو التحولي أو الراديكالي (التشاؤمي): يتم الاعتماد في إطار هذا السيناريو على حدوث تحولات راديكالية عميقة في المحيط الداخلي والخارجي للظاهرة، فإذا انخفضت أسعار المحروقات، فإنه يؤدي إلى نقص الاستثمارات، مما ينتج عنه زيادة في نسب البطالة. وعدم التحكم في النمو السكاني، يؤدي إلى اكتظاظ السكان، وهنا يجد صانع القرار نفسه عاجزاً عن توفير الموارد اللازمة لتلبية مطالب المجتمع، مما يؤدي إلى نقص شرعية النظام السياسي، وينتج عدم استقرار الدولة. على أنه لا يتم الحكم على السيناريو إلا من حيث كونه سيناريو جيد أو سيء، وهذا يقع ضمن معايير الجدول الآتي: سيناريوهات جيدة أو سيئة ببعض المعايير سيناريوهات جيدة سيناريوهات سيئة واضحة وجلية يصعب فهمها مفيدة في الاستعمال صعبة الاستعمال مثيرة وشيقة كئيبة ومملة توفر بيانات تحتاجها قضايا حاكمة تفتقر للبيانات الملائمة مقبولة ظاهرياًومتسقة بشدة تستغرق وقائع واتجاهات غير متسقة ويصعب تصديقها ملائمة لاحتياجات المخطط تتضمن معلومات قليلة تلائم التخطيط