كلمة السيد عميد الكلية

بسم الله الرّحمن الرّحيم


ليس من المبالغة أن أقول: إنَّ كلّيّة الشّريعة في جامعة دمشق تُعدّ واحدة من أهمّ الكلّيّات الّتي أسهمت من خلال تاريخها -وهي في بداية عقدها الثّامن- في بناء الهويّة العلميّة لسورية المعاصرة، وتكوين الشّخصيّة الشّرعيّة الأصيلة. 
وفي هذه المرحلة الحاسمة الّتي تمرّ بها سورية الحرّة تزداد أهمية كلّيّة الشّريعة بوصفها منصّة فكريّة تربويّة قادرةً على الإسهام في النّهوض والتّجديد، وصناعة عُرف علميّ راسخ الجذور في عمق الوحي، متفاعل مع قضايا العصر، ومؤهلة لوضع منهجيّة للعقل المسلم تستلهم قواعدها من الوحي ومن مناهج التّعامل معه، وتضيف إليها ما أبدعته الجهود البشريّة من مناهج البحث العلميّ.


لقد فجّر التّحررّ من الاستبداد في سورية بمستوياته السّياسيّة والفكريّة طاقات السّوريّين، وكان بحقٍّ فرصة نادرة أمام مؤسّسات التّعليم العالي لتقوم بدورها في النّهوض الحضاريّ، وتعمّق الرّؤى في رسالتها المعرفيّة والتّنمويّة. وانطلاقًا من ذلك كلّه تبنّت كلّيّة الشّريعة في جامعة دمشق رؤية تطويريّة متكاملة، تقوم على تحرير الطاقات الشّابّة، وتمكينها من التّفكير النقديّ الهادف، وإكسابها المهارات البحثيّة المتقدّمة، في إطار من التّشبّع المنهجيّ بروح الوحي، والفهم العميق لنصوصه ومقاصده.


وتحرص الكلّيّة على صناعة توازن معرفيّ بين انضباط التّكوين العلمي في علوم الوحي، والانفتاح على العلوم البينيّة والإنسانيّة، بحيث تتّسع دائرة الرّؤيا أمام الطّلبة والباحثين في علوم الشّريعة، فلا يرون المعرفة جزرًا منفصلة، بل يرونها تتكامل ضمن وحدة معرفيّة تشير بشدّة إلى أنّ مصدر العلوم والمعارف ينتهي إلى الذي علّم الإنسان سبحانه وتعالى. وفي هذا السّياق، تأتي استراتيجيّة توطين العلوم البينيّة في كلّيّة الشّريعة كأحد أبرز مشاريع الكلّيّة الّتي تهدف إلى تطوير الخطاب الشّرعيّ مع المحافظة على عمقه التّراثيّ، وتفعيله في ميادين الاقتصاد والاجتماع والتّربية والفكر، عبر إعادة تأصيل هذه المعارف في بيئتها الإسلاميّة، وتفعيلها في البناء الحضاريّ.


وإذ تمضي الكلّيّة بأساتذتها الفضلاء وباحثيها وطلّابها في هذا الاتّجاه، فإنّها تسعى إلى إحياء بيئة علميّة، تنهض بالبحث العلميّ وتطوّر مناهجه وأدواته، وتؤمن بأنَّ حرّيّة التّفكير ليست خروجًا عن الموضوعيّة، بل هي وفاء لجوهر العلم مادامت مفعمة بالإحساس بالمسؤوليّة في احترام الوحي، والمحافظة على قيم البحث العلميّ. 
وبناءً على ذلك فإنّ كلّيّة الشّريعة في جامعة دمشق ستستمرّ في أداء رسالتها على خطى رعيلها المؤسّس في رفد المجتمع السّوريّ بالكوادر الّتي تمتلك الكفاءة، وتتحلّى بالمسؤوليّة، لتشارك بإيمان في إعمار سورية الجديدة... سورية الّتي حلم بها الآباء المؤسّسون للجمهوريّة.



عداد الزوار / 2178042 /